responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 71
فَوْقَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا فَوْقُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ وَهُوَ الْغُرْفُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْعِقَابُ وَالثَّوَابُ الْجُسْمَانِيَّانِ، لَكِنَّ الْكَافِرَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، فَيَكُونُ فَوْقَهُ طَبَقَاتٌ مِنَ النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَكُونُونَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَهُمْ شَيْئًا إِشَارَةً إِلَى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ وَارْتِفَاعِ مَنْزِلَتِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ [الزُّمَرِ: 20] لا ينافي لِأَنَّ الْغُرَفَ فَوْقَ الْغُرَفِ لَا فَوْقَهُمْ وَالنَّارُ فَوْقَ النَّارِ وَهِيَ فَوْقَهُمْ، وَمِنْهَا أَنَّ هُنَاكَ ذكر من تحت أرجلهم النار، وهاهنا ذَكَرَ مِنْ تَحْتِ غُرَفِهِمُ الْمَاءَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّارَ لَا تُؤْلِمُ إِذَا كَانَتْ تَحْتُ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَكُنْ فِي مُسَامَتَةِ الْأَقْدَامِ وَمُتَّصِلَةً بِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ الشُّعْلَةُ مَائِلَةً عَنْ سَمْتِ الْقَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهَا، أَوْ تَكُونُ مُسَامِتَةً وَلَكِنْ تَكُونُ غَيْرَ مُلَاصِقَةٍ بَلْ تَكُونُ أَسْفَلَ فِي وَهْدَةٍ لَا تُؤْلِمُ، وَأَمَّا الْمَاءُ إِذَا كَانَ تَحْتَ الْغُرْفَةِ فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَعَلَى أَيِّ بُعْدٍ كَانَ يَكُونُ مُلْتَذًّا بِهِ، فَقَالَ فِي النَّارِ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ليحصل الألم بها، وقال هاهنا مِنْ تَحْتِ الْغُرَفِ لِحُصُولِ اللَّذَّةِ بِهِ كَيْفَ كَانَ، وَمِنْهَا أَنَّ هُنَاكَ قَالَ ذُوقُوا لِإِيلَامِ قلوبهم بلفظ الأمر وقال هاهنا نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ لِتَفْرِيحِ قُلُوبِهِمْ لَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ/ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِأَجِيرِهِ خُذْ أُجْرَتَكَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ بِذَلِكَ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ مَا أَتَمَّ أُجْرَتَكَ عِنْدِي أَوْ نِعْمَ مَالُكَ مِنَ الْأَجْرِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ هاهنا خُذُوا أُجْرَتَكُمْ أَيُّهَا الْعَامِلُونَ وَقَالَ هُنَاكَ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ذُوقُوا إِذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْقِطَاعُ فَعَذَابُ الْكَافِرِ يَنْقَطِعُ، قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا قَالَ ذُوقُوا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ جَزَاءَهُمْ وَانْقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ دَائِمًا وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يَزْدَادُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ إِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا فَلَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَا أَعْطَاهُ بَلْ يَزِيدُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي النِّعَمِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُسَ: 26] أَيِ الَّذِي يَصِلُ إِلَى الْكَافِرِ يَدُومُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَالَّذِي يَصِلُ إِلَى الْمُؤْمِنِ يَزْدَادُ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَمَّا الْخُلُودُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لَكِنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِهِ من النصوص. ثم قال تعالى:

[سورة العنكبوت (29) : آية 59]
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
ذَكَرَ أَمْرَيْنِ الصَّبْرَ وَالتَّوَكُّلَ لِأَنَّ الزَّمَانَ مَاضٍ وَحَاضِرٌ وَمُسْتَقْبَلٌ لَكِنَّ الْمَاضِيَ لَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا يُؤْمَرُ الْعَبْدُ فِيهِ بِشَيْءٍ، بَقِيَ الْحَاضِرُ وَاللَّائِقُ بِهِ الصَّبْرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ وَاللَّائِقُ بِهِ التَّوَكُّلُ، فَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْأَذَى فِي الْحَالِ، وَيَتَوَكَّلُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ وَالتَّوَكُّلَ صِفَتَانِ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَالْعِلْمِ بِمَا سِوَى اللَّهِ، فَمَنْ عَلِمَ مَا سِوَاهُ عَلِمَ أَنَّهُ زَائِلٌ فَيَهُونُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إِذِ الصَّبْرُ عَلَى الزَّائِلِ هَيِّنٌ، وَإِذَا عَلِمَ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ بَاقٍ يَأْتِيهِ بِأَرْزَاقِهِ فَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَتَوَكَّلُ عَلَى حي باق، وذكر الصبر والتوكل هاهنا مناسب، فإن قوله: يا عِبادِيَ
كَانَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَمَنْ يُؤْذَى فِي بُقْعَةٍ فَلْيَخْرُجْ مِنْهَا. فَحَصَلَ النَّاسُ عَلَى قِسْمَيْنِ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ وَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى رَبِّهِ، يَتْرُكُ الْأَوْطَانَ وَيُفَارِقُ الْإِخْوَانَ، وَعَاجِزٌ وَهُوَ صَابِرٌ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَذَى وَمُوَاظِبٌ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

[سورة العنكبوت (29) : آية 60]
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 71
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست